عرض المقال
هل التخابر جديد على الإخوان؟ (3)
2013-12-22 الأحد
توطدت علاقة مرشد الإخوان بالملك فاروق بقدر ابتعاده هو وجماعته عن تيار الحركة الوطنية المصرية. وتشير الوثائق البريطانية إلى حميمية الصلة بين الاثنين خلال معركة الكفاح المسلح فى القناة، فى مقابلة مع الملك، 20 نوفمبر 1951، أكد الهضيبى أن الجماعة ليس لديها نية المشاركة فى الأعمال الإرهابية!! وأنها تعادى الشيوعية وتدخر قوتها لتأييد الملك فى إقامة حكم نزيه ونظيف، وبالطبع كان فيه حركة تمرد محدودة داخل الإخوان ترفض هذا المبدأ وتريد الاندماج فى المقاومة، ولكن كالعادة دائماً تخذلهم براجماتية القيادة الإخوانية، ففى خطاب للمرشد 14 ديسمبر 1951 للإخوان فى الإسكندرية قال مدغدغاً المشاعر الدينية: «إن البنادق لا تكفى فى أيدى الناس لإخراج الإنجليز من البلاد بينما الملاهى ومحلات الخمور تمارس نشاطها من خلف ظهور جند الله»، وبدأ الإنجليز بداية من يناير 1952 يعدون العدة لتلميع وتجهيز الإخوان كبديل للوفد، ولكن جاءت ثورة يوليو من نفس العام لتجهض هذه الخطة وهذا التعاون الأنجلوإخوانى!
اندلعت الثورة، ولكن هل هدأ الإخوان وكفوا عن ارتداء أقنعتهم الانتهازية وقفزهم من النوافذ الخلفية وتسلقهم على مواسير المفاوضات الخفية؟ بالطبع لا فيموت الإخوانى وصباعه المتآمر بيلعب، فقبل خمسة أيام من مفاوضات حكومة الثورة مع الإنجليز فى 12 فبراير 1953 جلس الإخوان مع الإنجليز، والوثائق نشرها د. رؤوف عباس وترجمها خاصة لقاءات مستر إيفانز مستشار السفارة والمرشد وبينه وبين الإخوانى صالح أبورقيق وزميله منير دله، ومحمد سالم مراقب حسابات وزارة الدفاع والمتعاطف مع الإخوان، وبالطبع كانت بداية اللقاء غزلاً دينياً ملخصه: اتركوا لنا قاعدة القناة نطلق يدكم فى محاربة الشيوعية!! أهم ما دار فى الاجتماعات كان موافقة الإخوان على الارتباط مع بريطانيا بدفاع مشترك وليس الأمريكان لأن الإخوان يشكون فى ارتباط أمريكا بإسرائيل، أما إنجلترا صاحبة وعد بلفور فهى عدوة إسرائيل وصديقة مصر!
برر الإخوان اتصالاتهم مع الإنجليز بأنها كانت فى صالح الثورة وأنهم أبلغوا عبدالناصر بها ولكنهم أبلغوه بعدها فى مايو أى بعدها بثلاثة أشهر، فلماذا ظل السر مختفياً طيلة هذه الثلاثة شهور إذا كانوا مخلصين إلى هذه الدرجة؟! أولاً الروايات تقول إن سر هذه المفاوضات وصل لعبدالناصر بالصدفة بعد معرفة أخ إخوانى على خلاف مع الهضيبى أى أنها اضطرارية، ثانياً هذا التلكؤ والترقب الإخوانى المزروع على جيناتهم والمتكرر فوتوكوبى طوال تاريخهم كان انتظاراً لوقت التمكين الذى كانوا يظنونه قريباً بعدما خلت لهم الساحة من كل الأحزاب وامتدت أذرعهم الأخطبوطية داخل البوليس والجيش واتصلوا بمحمد نجيب ودانت لهم قطوف الثورة ولم يعد إلا القفز كالعادة والالتقاط ثم التهام الثمرة الناضجة، ولا بد أن نتوقف لمقارنة موقف الهضيبى الذى يحلل القضية بسذاجة على أنها إسلام ضد شيوعية ملحدة بعبدالناصر الذى ينظر للأمر من زاوية وطن يريد الاستقلال ضد استعمار محتل، يحكى الضابط حسين حمودة فى كتابه «أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين» أنه جاء إلى عبدالناصر يزف إليه البشرى التى سمعها من الأمريكان أثناء بعثته العسكرية وهى ما يسمى بالحزام المحمدى وهو حلف إسلامى أمريكى لمقاومة الشيوعية، وكان الرد من عبدالناصر رد رجل سياسة وليس رد شيخ طريقة ومرشد جماعة، قال له: «المشكلة الرئيسية ليست بيننا وبين الاتحاد السوفيتى ولكن المشكلة بين العالم العربى وإنجلترا وفرنسا وإسرائيل.. فكيف ندخل معاهدة تحالف ضد الاتحاد السوفيتى الذى لا توجد بينه وبين العالم العربى أى مشكلة، وإذا كانت الولايات المتحدة جادة فيما تدعيه من أنها راغبة فى صداقة العالم العربى فعليها معاونته فى تحرير أراضيه». رد عبدالناصر هو السياسة، أما ردود وخطب الهضيبى فهى تجارة الدين فى السياسة، ولكن هل بعد هذا الانكشاف والتعرى للإخوان أمام الثورة انقطع التخابر الأنجلوإخوانى؟! غداً نواصل.